26 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | من دمياط أكتب لكم

إيقاع مختلف | من دمياط أكتب لكم

(أرشيف المشهد)

4-2-2015 | 16:03

فى كل مرة أخرج فيها من القاهرة أشعر أننا كالمحبوسين فى شبر ماء، نعم يداخلنى الإحساس بأننا مجموعة من الأسماك وسط بركة ماء صغيرة جدا، تخشى أن تخرج منها ظانة أن ما حولها من فضاء يحمل لها الاختناق الحتمى، وهى لا تدرك أنها على حدود بحر واسع يضمن لها الحرية الرحبة والرزق الوفير.

نحن فى القاهرة محبوسون لا فى نطاق الزحام الجغرافى والسكانى، بل نحن محبوسون فيما هو أضيق، نحن مسلسلون أمام تلك الشاشة الصغيرة التى تشعرنا بالاختناق، وهى التى كان يفترض فيها أن تفتح أمامنا آفاق العالم ليشعرنا باتساع الحياة، محبوسون داخل أخلاق الرجال الضيقة، وأحلامهم بالغة الضيق.

تقطع بى السيارة الطريق وسط هذا البراح الخير الملىء بالوعود، هذا البراح الذى يؤكد لى أن بلدنا أجمل مما نظن، وأن خيره أكثر مما نحسب، وأن ما يحمل من وعود أكبر كثيراً مما يوهمنا أولئك الجالسون أمام الكاميرات والأضواء.

اليوم، وأنا عند التقاء نهر الخير ببحر الوعود المتاحة، أستحضر فى ذاتى رحابة الأفق المفتوح أمام مصر والمصريين، والذى لا يضيقه إلا ضيق أفق المتحدثين واستسلام المستمعين، وأتيقن من جديد من صدق قول القائل: "لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها،  ولكن أخلاق الرجال تضيق".

يا أيها الجالسون أمام الشاشات، لا تعرفوا مصر من أولئك الجالسين تحت الأضواء، اعرفوا مصر بمصر، اخرجوا إليها، سيروا فى مناكبها، أنصتوا إلى حديث أرضها وهوائها ومائها وأفقها الرحب الكريم، اعرفوا مصر عبر حديثها هى، لا عبر المتحدثين عنها، ولا حتى المتحدثين باسمها، فهى أفصح لساناً، وهى أصدق حديثاً، وهى أقدر على أن تنبئكم بأمرها، وأن تلقى فى روعكم بمعناها الخبىء وسرها المستتر.

بلادنا أرحب من أحلامنا، ووعودها أوسع من أخلاقنا، وقدرتها على المنح والعطاء أعلى كثيراً من هممنا، مصر ليست معنى إنشائياً نتغنى به، وخيرها ليس وهماً ظنه، وحضارتها ليست افتراضاً نستعيره من تاريخنا لنفخر به الآن، مصر حقيقة ساطعة، خيرها حقيقة واقعة، حضارتها حقيقة ناصعة، ولكن أخلاقنا تحتاج إلى أن تتسع، وأحلامنا تحتاج إلى أن تكبر، علها تصبح بمستوى مصر وعظمتها وخيرها.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان